28/08/2024
(خَلِّ عنك يا أخي حديث السلطان والولاية)
بدأت الخلافة العباسية تضعف في عصر الخليفة المتوكل، وبدأت بعض الولايات في الاستقلال عن الخلافة العباسية، وكانت مصر من ضمن الولايات التي استقلت.
ولكن من هو أول والي على مصر يستقل عن الخلافة العباسية، ومن قائل تلك المقولة؟
👈🏻هو الأمير أبو العباس أحمد ابن طولون.
وُلِدَ بالعراق عام 220 هجرياً، وتولى ولاية مصر وهو عمره 34 عاماً، وكان أبوه طولون مملوكاً تركياً أرسله حاكم بخارى نوح بن أسد الساماني إلى الخليفة المأمون، وصار أميراً من أمرائه بعد ذلك، وأنجب طولون ابنه أحمد من جارية تسمى «قاسم». وكان أحمد بن طولون معروفاً بالتقوى والصلاح والكرم. ولما مات أبوه طولون، فوض إليه الخليفة المتوكل ما كان لأبيه من الوظائف.
نال أحمد بن طولون ثقة الخليفة المستعين عندما كان عائداً من طرسوس، وكان قد انضم إلى قافلة تجارية قادمة من بيزنطة تحمل أشياء تخص الخليفة، فهاجمها قطاع الطرق عند الرها، فتصدى لهم أحمد بن طولون، فاعترف الخليفة له بهذا الجميل وأعطاه ألف دينار. كان الأتراك يضايقون الخليفة المستعين، وقد حبسوا الخليفة المستعين وجعلوا أحمد بن طولون رفيقاً له في السجن، حتى أنهم كتبوا لأحمد بن طولون: «اقتل المستعين ونولّيك واسطاً» فكتب إليهم: «لا أراني الله قتلتُ خليفةً بايعتُ له أبداً!».
وعندما عاد أحمد بن طولون إلى سامراء بعد مقتل المستعين، ولاه الأتراك ولاية مصر نيابة عن واليها آنذاك (لم يكن ابن طولون قد ولي ولاية مصر بعد).
ولايته لمصر: ولي أحمد بن طولون مصر واستقل في أيام الخليفة المعتمد، وولي الشام نيابة عن باكباك التركي زوج أمه، وكان خراج مصر في يد أحمد بن محمد بن المدبر، الذي كان سيء السيرة بسبب شدته وقسوته، وحاول أن يستميل أحمد بن طولون بأن أرسل إليه 10 آلاف دينار، فرفض أحمد بن طولون الهدية، وأدرك بن المدبر أنه رجل طموح فدبر مؤامرات ومكايد للتخلص منه، لكن أحمد بن طولون هو الذي تخلص منه.
وأول ما دخل ابن طولون مصر خرج عليه ابن طباطبا العلوي فيما بين برقة والإسكندرية، وسار إلى الصعيد، فتم قتله هناك، وحملت رأسه إلى الفسطاط.
ثم ظهرت بعض الفتن والثورات الأخرى في مصر، وتمكن ابن طولون من إخمادها، وفي عام ٢٦٣ هجرياً طلب المعتمد من أحمد أن يرسل خراج مصر إليه، فرد عليه: «لستُ أطيق ذلك والخراج بيد غيري»، فقلده المعتمد خراج مصر ولاه الشام، وصار هو المشرف على جميع أعمال مصر، وبذلك أصبح أحمد بن طولون مستقلاً بمصر.
الكنز الذي وجده أحمد: في يوم ما كان ابن طولون راكباً على فرسه ذاهباً للصيد، فغرست أرجل فرسه في الرمل، فأمر بإزاحة هذا الرمل فوجد شيئاً به مليون دينار، فتصدق بها، وأنفق منها على بناء الجامع.
بناء الجامع: بنى أحمد بن طولون جامعه على جبل يشكر، وأنفق على بنائه مبالغ طائلة قيل أنها 120 ألف دينار. سأل البناؤون أحمد بن طولون عن شكل المئذنة، فأمسك ورقاً ولفه حول إصبعه وسقط بعض الورق وبقى بعضه، فقال لهم: «اصنعوا المنارة على هذا المثال» فصنعوها على مثال المئذنة الملوية بجامع أبي دلف بسامراء.
ثورة العباس بن أحمد: خرج أحمد بن طولون إلى الشام عام 264 هجرياً واستخلف ابنه العباس على مصر، وضم إليه أحمد بن محمد الواسطي وزيراً له، ولكنه أعلن العصيان على أبيه بسبب صحبة السوء، وقبض على الواسطي بسبب أنه أخبر أباه بما حدث، فعندما عاد ابن طولون إلى مصر سجن ابنه العباس وظل في السجن حتى مات في عهد أخيه خمارويه بن أحمد بن طولون.
وفاة أحمد بن طولون:
توفي أحمد بن طولون عام 270 هجرياً، والسبب أن بازمار الخادم استولى على طرسوس التابعة لحكم أحمد بن طولون، فخرج إليه أحمد بن طولون بجيشه وحاصره، فخرق بازمار نهر طرسوس فكاد الناس يموتون، فرحل أحمد ابن طولون وكتب إليه: «إنني لم أرحل إلا خوفاً أن تنخرق حرمة هذا الثغر فيطمع فيه العدو»، وعندما عاد إلى أنطاكية أكل لبن الجواميس وأكثر منه، وكان عنده طبيب نصراني؛ فقال له: «ما الرأي؟» فقال له: «لا تقرب الغذاء اليوم وغداً»؛ لكنه عندما جاع أكل من خروف وطيور، وكان مريضاً حينها فامتنع عن الأكل، وأخبر الطبيب بذلك فعالجه فعاودهُ الإسهال فخرج محمولاً من أنطاكية وركب سفينة إلى مصر، وعندما عاد إلى مصر فشل الأطباء في معالجته، ولما اشتد مرضه قرأ اليهود والنصارى التوراة والإنجيل، وخرجوا بكتبهم إلى الصحراء ودعوا له، وأقام المسلمون بالمساجد يقرأون القرآن ويدعون له، ودعا أحمد لنفسه قائلاً: «يا رب ارحم من جهل مقدار نفسه، وأبطره حلمُك عنه» ثم نطق الشهادة ومات.
بقلم/
المصادر: ١- ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة.
٢-ابن خلدون: العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر.