
05/05/2025
كلمة د. أوغاريت يونان
في الذكرى الثانية على رحيل المفكِّر والمناضِل وليد صلَيبي.
3 أيار 2025
الصورة: وليد صلَيبي وأوغاريت يونان في حفل توقيع كتاب د. صلَيبي "نعم للمقاومة لا للعنف"، الجميزة – بيروت (طبعة أولى 2005) (تأجّل التوقيع إلى العام 2006 للتعافي من العلاج).
نحن اليوم في اللقاء الثاني لذكرى وليد صلَيبي، بعد أن رحل في 3 أيار منذ سنتين عام 2023. في الذكرى الأولى العام الماضي، اجتمعنا في 1 أيار، وأخبرنا عن نضاله مع العمال. هذه السنة، التقينا في 30 نيسان، شهر بدايات "حرب 1975" في لبنان، وأخبرنا عن مبادراته في مواجهة الطائفيّة وعن المقاومة اللاعنفيّة.
لقاءات، ليست لإرساء تقليد أو لطابع رسمي للتكريم. هي محبّةً بوليد، ولاستمراريّة مفاهيم ومبادرات حملها في مسيرته. وفي كلّ مرّة سنجتمع لذكراه، سوف نحرص أن يكون اللقاء مفيدًا وممتعًا.
خيارات وليد.
منذ البداية صمّم. كان عارف شو بدّو. لم يشأ أن يكون وقته إلّا لتحقيق حرّية خياراته ووجوده. أراد أن يقوم بمبادرات، يؤسّسها في معظمها، ويقدّمها بنفسه للناس والمجتمع وللفكر والنضال.
لم يكن يتقبّل الرتابة في مواجهة الظلم، وبدون فعاليّة. قالها مرارًا، أنّ ما يمكن أن نضيفه من دون ادّعاء، في نشاطنا وتدخّلنا في الحياة، هو في هذه الابتكارات والمواجهات الفعّالة التي نخوضها، على أن ننتصر للعدالة والحرّية والحبّ.
كتب قليلًا. لكنّه انصرف إلى الفكر. وكان يحبّ لقب "مناضل".
حتّى في كتاباته، اختار أن لا يُكثر في الكلام، وأن يُصدر كتيّبات وليس كتبًا سميكة، وبأسلوب مبسّط، حيث يذهب فيها إلى الهدف مباشرةً، على أن يأتي بإضافة ما في المفاهيم وفي إعادة النظر وفي الاستنتاجات العلميّة.
معظم ما ابتكره نفّذه. وبات إرثًا في مسيرة المجتمع. وبعضه، كان يودّ أن يكون حاضرًا في خواتيمه.
إذا أردنا أن نصف ماذا اختار وليد صلَيبي، نقول إنّه أحبّ أن يلمس جوهر الأمور.
في كلّ قضيّة، يركّز على نقطة جذريّة، وحين يدخل إليها يصمّم كي يحصل التحوّل. هكذا حصلت تحوّلات جذريّة، تاريخيّة، مفصليّة، في حياة أفراد ومجموعات ونقابات وجمعيات ومناطق وقوانين...
كلّ نضال، كأنّه من أسهل الأمور في الدنيا. لا يتوه في التبريرات والتحليلات، ولا تلفته الأشكال المعتادة للنضال والعمل السياسي وبالأخصّ العمل الثقافي، ولا يفهم هذا الهدر الشاسع والواسع في الوقت وطاقة الإنسان.
وكان بالطبع قد أعلن باكرًا، ومن قبل أن أعرفه، لا للسلطة، للمناصب، للشهرة، للمال، للألقاب... "بين أن أكون أو أن أتملّك" To Have or To Be، اختار، على غرار ما كتبه المفكر وعالم النفس التحليلي إريك فروم، أن يكون.
قليلًا ما أطلّ في الإعلام. ونادرًا ما كتب مقالات. ونادرًا ما شارك في مؤتمرات وملتقيات ثقافيّة أو سواها. ولم يكن لديه مواقع إلكترونية للنشر والتداول. وخلال 33 سنة توقّف عن السفر... وحين كنت أسأله، لماذا؟ يحتار بمَ يجيب، إذ لم تعنِ له هذه الأمور شيئًا.
كان يحبّ أن يقرأ، وأن يصحو باكرًا كي يخطّط.
كان يحبّ أن يبتكر، وأن يسارع إلى الاتصال بالشباب والأصدقاء يخبرهم "شو طلع معو"، لا يحتفظ بشيء لنفسه كأنّه خارج أيّ ملكيّة فكريّة.
كان يحبّ أن يواجه، وأن يشعر بسعادة عودة الحقوق والعدالة إلى ناسها.
وكان يحبّ المرح واللذة، ولا يرى فيهما نقيضًا لجدّية النضال، بل في جوهرها.
يحقّ لوليد صلَيبي أن نتعرّف أكثر عليه، مفكِّرًا مناضلًا.
سأخبركم عن أربعة عناوين تخصّنا اليوم، وتعرّفنا كيف فكّر وليد صلَيبي فيها وكيف عمل لها:
أول استراتيجيّة خلال الحرب عام 1983.
اللاعنف.
اللاطائفية.
المقاومة اللاعنفيّة.
أول استراتيجيّة خلال الحرب في لبنان - 1983.
سأل: نحن في حرب والبلاد مقسّمة. الطاقات الشابّة والكوادر انسحب معظمها إلى الميليشيات أو الهجرة أو اليأس أو الانتفاع، وبعضهم بقي ينشط بالتأكيد لكن في أطر لم تجدّد في أساليبها ومفاهيمها للتغيير. إذن، ما العمل؟ لا بدّ من بناء طاقات جديدة ومتجدّدة. لا بدّ من إعادة بناء القوّة داخل بنية المجتمع. كي تكون متدرِّبة وحاضرة ومعها إنجازاتها حين تتوقّف الحرب... وإلّا كيف نواجه وكيف نصنع التغيير؟
وضع هو خطة، ووضعت أنا خطة، والتقينا. ونحن انطلقنا معًا سنة 1983.
براعته الفائقة في الاستراتيجيا، والمقدرة العلميّة المذهلة في عقله، مع ثقافة فكريّة واسعة، تُبهر...
وفهمتُ منذ البداية أنّه صانع أفق.
اخترنا ثلاث فئات أساسية لإعادة بناء القوة في كوادرها وحقوقها: العمال، المعلمين، الشباب. وأضفنا لها ثلاث فئات أخرى: جمعيات المعوّقين، الكوادر الناشطة في هيئات مدنية، وانتصار لحقّ في منطقة مع الأهالي.
ووضع هو العنوان الأساسي لهذه الاستراتيجيّة: "نضالات جزئيّة بوجه عنف معمَّم". .. لم تكن أنشطة، أو أن نشارك في هذا وذاك... كان تخطيطًا لنقطة مفصليّة مع كلّ فئة، لإنجازات من أجل الحقوق، ولاكتشاف واختبار فعاليّة النضال اللاعنفي.
كلّ القضايا التي خاضها في الثمانينات في خضمّ الحرب، أنجزها.
هكذا تحوّل الأمر إلى مثال، إلى نموذج، له الثقة والرغبة في الانتماء إليه.
اللاعنف
لم يكن سهلًا أن يقتنع وليد صلَيبي بنظريّة ما أو فكر ما. وأعلن عن اقتناعه باللاعنف.
وسأل: ما الحاجة الجوهرية عندنا في اللاعنف؟ إنّها ثلاثة مرتكزات:
• التغيير في الذات لاستعادة الأنا الأصيل: العمل على العنف في الذات.
• تواضع التعلّم، بالأخصّ لدى الناشطين والمثقفين، لاكتشاف تجارب ووسائل من سائر الشعوب تعطي الثقة وإحساس القوّة بالنضال اللاعنفي.
• التدرّب على المواجهة المباشرة في الميدان أثناء العصيان أو لدى الاحتكاك بالجهّة الظالمة أو بالسلاح الذي يحميها.
وكان لا بدّ من التأسيس. وحصل التأسيس: أول مدرّبين ومنشّطين، أول ناشطين محترفين، أول دليل تدريبي، أول سلسلة ترجمات اللاعنف إلى العربيّة، أول زهرة على دبابة مع أغنية لاعنفيّة للعسكر، أول نص عن المقاومة اللاعنفيّة، أول حركة مدنيّة على المستوى الوطني لاعنفيّة، أول مجموعة عربيّة لاعنفيّة، أول نماذج استراتيجيّة لتحرّكات ناجحة، أول مخيّمات التدريب على اللاعنف تربيةً ونضالاً وحقوقًا بطرائق المسرح والأنشطة التفاعليّة واختبار المواجهات المباشرة والذي تحوّل إلى قصّة بذاته سنة تلو سنة...
وصولاً إلى تأسيس جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان AUNOHR، أول مؤسّسة من نوعها في المنطقة وفريدة في العالم...
اللاطائفيّة
هنا أيضًا سأل، مع أنّ الأمر يختلف عن سؤال اللاعنف المجهول والمهمّش أساسًا، بينما النضال بوجه النظام الطائفي عتيق من عمر البلد... واختار أن يمسّ الجوهر، في قضيّتين، ليستا الأسهل بل حولهما أكثر من ’تابو‘:
الأولى: ما في النفوس. تنشئة النفوس. لأنّ إعادة تأهيل النفوس، في استعادةٍ للأنا الأصيل وحريّة الداخل التي لا يمكن لأحد سرقتها أو سجنها متى استعادت وجودها، هي هدفٌ جبّار، سيعلم أرباب الطائفيّة، في كلّ مرّة يخرج فيها مواطن ومواطنة عن سكَّتهم الطائفيّة، أنّهم بدأوا يخسرون وأنّنا بدأنا ننتصر...
وأساسًا، من الداخل ينطلق تغيير الخارج، كالتزام فرديّ قبل أن يتحوّل إلى قصّة جماعيّة...
حروبٌ على مدار الأيام قابعة في النفوس، متفلّتة في كلّ حين مع فترات هدنة حذرة لا أكثر... صحيح أنّ النفوس المواطنيّة الخيّرة موجودة على امتداد الزمان والمكان في هذا البلد، لكنّ النفوس الطائفيّة التي تتجهّز للحظة انفجار موجودة أيضًا وهي التهديد الذي يجب ضبطه ومواجهته وتحويله جذريًّا عن مساره.
وكان لا بدّ من التأسيس. وحصل التأسيس: ابتكر (ابتكرنا معًا) استراتيجيّة وأدوات جديدة غير مسبوقة في لبنان، وذلك انطلاقًا من المسرح وعلم النفس السياسي والاجتماعي والتربوي، وبالأساليب والطرائق التفاعليّة... دخلنا إلى النفوس، لا وعظ لا محاضرات لا مسايرات... خلوات اللاطائفيّة منذ 1988، ظاهرة رائدة في لبنان والمنطقة، يلتقون ويعيشون فيها من كلّ لبنان وبينهم مقاتلون في ميليشيات... العنف الذي في الداخل، العنصريّة الكره الحقد الخوف الفوقيّة الدونيّة الامتيازات الانتقام... وتحوّلت نفوسٌ من التعصّب إلى المدني ومن الانغلاق إلى المختلط، وكثيرون منهم هم اليوم ثوّار العلمانيّة ومعلّمو اللاطائفيّة...
والثانية: الحبّ: الأحوال الشخصيّة. قال (قلنا سوا) إذا خرقنا التراكم المظلم والظالم في هذه القضيّة، ستكون هي نافذة التغيير اللاطائفي المواطني... علينا أن نختار الحدث المفصلي الذي سيخرق الجدار التاريخي للنظام الطائفي الذي لم يهتز منذ أكثر من قرن وبات كأنّه حِملٌ ثقيل من جيلٍ إلى جيل، لا يُطاق... الأحوال الشخصيّة، القانون اللبناني المدني، هي هذا الخرق...
وهنا، كان لا بدّ أيضًا من تأسيس منهجيّة وأدوات جديدة ومبتكرة في تاريخ هذه القضيّة، ومعظمها أبهر المجتمع، فكانت الحملة المدنيّة الأضخم وربّما الأجمل... بدأنا خطواتها الأولى في العام 1995 مع بدايات مرحلة السِلم في لبنان... ثمّ أطلقناها رسميًّا حملة وطنيّة شاملة في العام 1998 لتضمّ 74 حزبًا وجمعيّة ونقابة ونوادٍ شبابيّة إلى 63000 عضو من سائر المناطق، ووضع لها وليد خطة خمسيّة منظّمة ومتسلسلة نسّقها وكأنّ لا شيء يقف في دربها، إلى أن حقّقنا كلّ بنودها وأهدافها كافّة واختتمناها كما هو مخطّط سنة 2002. وكنّا نستعدّ بعدها لمرحلة الضغط اللاعنفي والعصياني المتواصل، الذي لم يكن ليتوقّف إلّا مع إقرار القانون وتكريس هذا الحقّ. لكنّ المرض حلّ في أول شهر من سنة 2003، فتبدّلت ظروفنا وضاقت الحياة في مسيرة وليد... الذي لم يأبه، فعاد عام 2009 إلى التظاهرات في الشارع، متّكئاً على عصاه وفي مواجهة مباشرة مع الأمن والسلطة... ونجحنا خلال سنتين فقط عام 2011 في إدراج أول اقتراح قانون لبناني مدني للأحوال الشخصيّة على جدول أعمال اللجان النيابيّة المشتركة، في خطوة غير مسبوقة في تاريخ لبنان... لكن تجميد الناشطين لأيّ عمل مع البرلمان بعد أن مدّد لنفسه، أرجأ النضال المباشر... واستمرّت التوعية والأنشطة والنشرات الحقوقيّة وحتّى التظاهرات في الساحات وأيضًا الأبحاث الشاملة لقرنٍ كامل لقضيّة الأحوال الشخصيّة... وفي العام 2019 كنّا على قاب خطوة من الضغط الأخير لانتزاع هذا الحقّ وإقرار القانون؛ لكن، كان ما كان من أحداث وانهيار للدولة وتفجير المرفأ والكورونا... ثمّ رحيل وليد...
المقاومة اللاعنفيّة
لم يتحدّث وليد صلَيبي يومًا عن اللاعنف إلّا كفعل وكمواجهة للعنف، في الذات وتجاه الظلم.
وسأل: نحن بحاجة إلى محترفين في المقاومة اللاعنفيّة، وهذا غير متوفّر تمامًا ويتطلّب سنوات لبنائه. ليس فقط توعية عامة وانتماء إلى اللاعنف، وليس ناشطين يشاركون في الاحتجاج والتعبير وحسب، بل احتراف على مستوى المناضلين الذين سيقومون بالمواجهة. كما أنّنا بحاجة إلى اختيار وتحديد النقطة التي سننفّذ فيها أول مقاومة وطنيّة سياسيّة لاعنفيّة، والتي بنجاحها تنطلق سيرة المقاومة اللاعنفيّة كثقافة يثق الناس بجدواها وبأن الأمل فيها ومعها.
في أول الثمانينات (1983-1984)، أعلن وليد صلَيبي خيار اللاعنف، وكان ذلك في اجتماعٍ حاشد بدعوة من المطران الراحل غريغوار حداد، وبمشاركة شخصيّات وناشطين من كلّ لبنان التقوا ضدّ النظام الطائفي. استغرب معظم الحضور، ما علاقة اللاطائفيّة واللاعنف؟ بينما انبهر غريغوار حدّاد وفرِح بنا كشباب، وسارع يسأل وليد "من أين تعرف اللاعنف؟ من أنت؟"... بالنسبة إلى وليد صلَيبي (ولنا معًا)، اللاطائفيّة واللاعنف، هما كلمتا السِّر في لبنان ولإنقاذ لبنان.
وفي آخر الثمانينات، انطلق ينشر ويدرّب على "انتفاضة الحجارة" اللاعنفيّة بمعظمها، وهي في بداياتها ومستمرّة على الأرض... وراح يُطلق مفاهيم وأُسُس المقاومة اللاعنفيّة... إلى العام 1995-1996 حيث أطلق (أطلقنا معًا) هذا العنوان في مقال طويل نُشر على دفعتين في "النهار": "مقاومة عنفيّة – مقاومة لاعنفيّة". وضع وليد العبارتين في عنوان واحد وعن قصد. وحاول آنذاك أن يضع أول خطة لمقاومة بوجه الاحتلال الإسرايئيلي، على أن ننفّذها فعليًّا... لكنّ الوقت لم يكن ناضجًا بعد ولعدّة أسباب. وحصلت آنذاك عام 1999 التجربة الشبابيّة السلميّة لتحرير بلدة أرنون في الجنوب في الشريط المحتلّ، فدرّب مجموعة وكانت في مقدِّمة المواجهة هناك... ورغم إصابته بالمرض عام 2003، باشر على الفور منذ العام 2004، مع تأسيسنا لأول مجموعة عربيّة لاعنفيّة، بتدريب ومواكبة مجموعة فلسطينيّة من أجل بناء استراتيجيّة مقاومة جديدة داخل فلسطين، وأثمر ذلك تحرّكات عديدة لفتت الأنظار إليها في الداخل... ثمّ كتب كتابه "نعم للمقاومة لا للعنف"، وأصدره بنفسه عام 2005، حيث اختار أن يضع أمام القرّاء والناشطين والرأي العام مقارنةً صريحة، فلسفيّة واستراتيجيّة، بين انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى، بين اللاعنف والعنف... وفي السنة نفسها 2005، أطلق "تحرير شبعا اللاعنفي"، وكتبنا المقال معًا ونُشِر في "السفير"، وكان بهدفين: إنجاز تجربة مقاومة لاعنفيّة، وتكريس تجربة تحرير وطني مشتركة بين اللبنانيّين الذين هم بأمسّ الحاجة كي يخوضوا لمرّة مقاومة موحّدة... وأكمل وليد، حيث في العام 2010-2011 أطلق نموذج وخطة "التحرير اللاعنفي المعكوس" لقضيّة فلسطين بالذات، ودرّب مجموعات على هذه الفكرة، وتبنّاها مناضلون في فلسطين، وفي العام الماضي اتصل بي أحدهم يقول "كلام وليد ما زال هو الحلّ، كلّ يوم نتأكد من ذلك"...
وفي النهاية، ومع اشتداد المرض، رأى أنّه لن يستطيع أن يحقّق هذه التجربة التاريخيّة في المقاومة الوطنيّة أو السياسيّة اللاعنفيّة... وقد ردّد كثيرون أنّ المرض لم يُصِب وليد وحسب، بل حرم لبنان من فرصة كنّا لنكون معها اليوم في لبنان آخر...
التأسيس حصل. وليد كان مؤسِّسًا رائدًا.
تراثٌ لديمومة، زُرِعت وانتقلت على مدى أربعة أجيال، والجميل فيها أنّها تستمرّ وأراها من حولي وأعرفها، تكبر مثل كرة ثلج وكلّ مَن وما فيها يتحوّل إلى رياديّة في مجال... تجديد المجتمع المدني حصل. التجديد في الكثير من المفاهيم وحتّى في المفردات حصل.
الأدوات والمبادرات والتجارب الأولى باتت ملكًا للجميع.
ثقافة اللاعنف لم تبدأ اليوم ولا لحسابات اليوم، زُرعت وتمأسست وأثمرت وما زال الطريق طويلًا أمامها...
شكرًا وليد
نحن اليوم، في لبنان، إذا كنّا نريد زمنًا جديدًا، لا عهدًا جديدًا وحسب، علينا أن ننجز انتصارًا لاطائفيًّا، وإلّا كيف نكون في لبنانٍ جديد؟ علّة لبنان هي في فلسفة نظامه الذي قام على جمع أجزاء وحصص، والتجزئة لا تبني مجتمعًا. إنّها أولويّة الأولويّات أن ننتصر لاطائفيًّا. ولن نخطىء مرّة ثانية وعاشرة، في أنّ الحلّ والانتظار اليوم هو في استجداء صندوق ديونٍ هزيلة ومشروطة، أو لجان هدنة ديبلوماسيّة آمرة والهدنة في علم النزاعات تعني أنّ النزاع باقٍ والظلم باقٍ لكن مع تجميد الصراع وبالتالي تجميد أو منع مقاومة الظلم. علينا أن نعلن الحقّ في المقاومة، شرط أن تكون لاعنفيّة فقط لا غير، لكن أن نعلن هذا الحقّ وإلّا كيف سنكون في لبنان جديد! حين يقع الظلم، الاحتلال والهيمنة، يغدو العصيان واجبًا وتغدو المقاومة مسؤوليّة لا وُجهة نظر. والمقاومة ليست حزبًا، إنّها هذه اللا في اللاعنف التي لا تقبل الظلم وتواجهه.
أوغاريت يونان
رفيقة العمر
مؤسِّسة جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان AUNOHR